لم تقتصر شعبية العطور على الحضارات الرومانية واليونانية فقط في الحضارات الغربية، بل كان الصينيون القدماء أيضاً رواداً في المنتجات العطرية وكانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية.

ويُنسب الفضل الى الصينيين في إدخال العطور الى الثقافة الشرقية، حيث استخدموا العديد من المنتجات المعطرة غير المعتادة كالحبر الذي كانوا يكتبون به كان معطراً ورائحته زكية.

تاريخ العطور في الصين القديمة:

خلال فترة ما قبل تشين(206-221 قبل الميلاد)، وهو الامبراطور الذي وحدّ الصين، كانت البخور تستخدم بشكل رئيسي في العلاج والعبادة.

وفي عهد أُسرتي (سونغ) و (سوي) كان العديد من الصينيين النبلاء والأثرياء يستخدمون العطور في مجال العناية الشخصية، وكانوا عادةً يتاجرون بمكونات العطور عبر طريق الحرير.

و وصلت العطور ذروة انتشارها في مجال العناية الشخصية خلال السلالات الحاكمة (يوان) و (مينغ) و (تشينغ).

كيف استخدم الصينيون القدماء العطور في حياتهم اليومية؟

اعتاد الصينيون القدماء بأن الروائح العطرية تطرد الأرواح الشريرة والنوايا الخبيثة والسيئة، فقد لعبت العطور في تلك الحقبة من الزمن دوراً مهماً في أماكن ودور العبادة، وكانت تستخدم بعض الروائح الخاصة لتكريم الآلهة وكل من له قدسية في معتقداتهم.

كان الصينيون القدماء في فترة من الزمن ينظُرون الى العطر على أنه يمكنه تطهير وتنقية أي مساحة تصل إليها الرائحة.

ونتيجةً لذلك فقد استخدموه في كثير من الأحيان على أمل أنه من الممكن أن يقي من الأمراض وبعض العلل الجسدية، وعادة ما تتكون العطور الشرقية في تلك الحقبة في الصين القديمة على نسبة كبيرة من الأعشاب والتوابل، مما يجعلها من المناسب أن تُستخدم للاحتياجات الطبية.

ولقد كَشفت بعض المخطوطات القديمة في الصين على أن الصينيين القدماء انتهجوا فكرة دهن أنفسهم بالزيت العطري في سبيل حماية أنفسهم من الأمراض وسوء الحظ.

صناعة العطور القديمة في الصين:

قبل أن يبدأ الصينيون في صناعة العطور المعقدة والمتعددة المكونات، كانوا يستخدمون عطوراً بسيطة ذات روائح طبيعية، وكانت تلاقي رواجاً على نطاق واسع.

والعطور الشرقية الحديثة التي نجدها الآن هي في الحقيقة مستوحاة بشكل كبير من العطور الصينية القديمة.

العطور والطبقية الاجتماعية:

في تلك الفترة لم يكن باستطاعة العامة من الناس الوصول لمثل هذه العطور عدا العائلات النبيلة، وذلك بسبب أسعاره الباهضة.

وعادةً ما يُستخدم كعطر منزلي للعائلات النبيلة، ويتم وضعها في مباخر كبيرة لتنشر الرائحة في المناطق المحيطة، وأصبح البخور رمزاً للمكانة المجتمعية العالية، وكان يُعتقد أيضاً أن له فوائد روحانية.

استخدام الرحيق في العطور قديماً:

كان الرحيق شائع الاستخدام من قبل النساء الصينيات ذوات المكانة العالية في المجتمع، واللواتي يتمتعن بحالة مادية ممتازة.

وتم إنشاء الرحيق بمكونات مصدرها زهور مختلفة مثل: اللوتس، الزئبق، الأقحوان، وعلى عكس البخور كان يعتبر مناسباً لكلٍ من الرجال والنساء، كان الرحيق يُصنف دائماً على أنه نسائي.

استخدام العود:

كان العود أو كما يسميه الصينيون (تشن شيانغ) عنصراً هاماً في تاريخ العطور الصينية القديمة.

مع تاريخ العود الطويل في الحضارة الصينية، فإن العود العطر الثمين يستخدم بشكل شائع خلال الطقوس الدينية، وكان معروفاً بأنه يساعد في عملية التأمل، كما يحب الصينيون المنتجات المصنوعة من خشب العود لأنها عطرية بشكل طبيعي.

تأثير الديانة البوذية على ثقافة العطور الصينية القديمة:

أدى ظهور البوذية كديانة الى تسارع تطور ثقافة البخور في الصين، مع إدخال الممارسات التأملية في المعابد.

فأصبح إشعال وحرق البخور في المعابد مرادفاً لاحترام الآلهة، وتطهير لمساحة المعبد.

الديانة الطاوية والبخور:

يرجع تاريخ هذه الديانة الى القرن الثالث والرابع قبل الميلاد، وهي قرون قبل سلالتي (تسيشي) و (تشينغ)، وكان يُعتقد في الديانة الطاوية أن استخلاص العطر من نبات معين يحرر روح النبات.

ويعكس تحول البخور الصلب الى أبخرة معطرة التحول من الحالة الجسدية والبشرية الى المستوى الروحي.

ولم يكن هنالك تمييز يذكر بين البخور والعطور والأعشاب والتوابل، فكان الصينيون يعتقدون بأن “كل عطر هو دواء”، وأن هناك علاقة عميقة بين الرائحة وحالة العقل والجسد.

عهد المانشو:

كان المانشو وهم (أقلية عرقية في إقليم منشوريا في شرق الصين) من المتحمسين للبوذية التبتية، وكانوا يجلون بشدة ثقافة البخور.

كانت البخور تعتبر احتياطياً لرأس المال، واكتسبت أهمية خاصةً في العهد الإمبراطوري، على سبيل المثال كان خشب العود النادر ذا قيمة كبيرة، وقد وصل الى مكانة سلعة الدولة، وتم تخزينه داخل حرم المدينة المحرمة.

يتطلب جزء من آداب البلاط في القصر الإمبراطوري حرق البخور بشكل رسمي، وكان المانشو مهتمين بالأعمال ذات الوظائف الطقسية والاحتفالية .


اكتشاف المزيد من ثقافات العطور

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.